الاثنين، 15 ديسمبر 2008

قصة (العرض مستمر)

( العرض مستمر)
عربات تدفقت تحمل كل منها رواد الطريق (الآن وفي هذه اللحظة تذكرت إنني نسيت مفكرة صغيرة لي بها عناوين مهمة في حياتي وذلك أثناء عودتي من شركة ناجي عبد الحي للسفر والرحلات )......................
صفارة إنذار ..كلمات متداخلة (ابتعد ..قف ..السرعة مراقبة بالردار..أخبار .أهرام. جمهورية ..بدلة حمادة بجنية وربع )
انه ينتظر شيئا ما .. ربما يكون العبور أو السفر . المهم انه ينتظر ويترقب .
بيده أشار لسيارة قادمة .ثم استقلها وأثناء الطريق لمح شراع مركب في أقصي يسار المرآة التي بجوار السائق تهزه الريح.
حلم يتهادي في ذهنه يصرفه عن هذه الصور المتلاحقة .استرخي تاركا لخياله حرية التصرف في الاستمتاع بهذا الحلم .ثم شده الخاطر إلي أن يتحقق ذلك بالفعل ولعل هذا كان واضحا في قفزته المفاجئة كأنه يريد أن يوقف السائق في التو واللحظة.
استبطأ السائق فسأله .هل اقتربنا ؟.
(أنا سكتي وخطاويها طالت مع المشوار .وفي كل يوم بمشيها انسي مكان الدار )
انه موال أصر السائق أن يتغني به رغم انف الرواد ..
الآن لا يصدق لقد وصلت السيارة بالفعل إلي الميدان العام الذي يريده ..وهو لا يزال موصولا بأحلامه ثم قفز من الباب الأمامي بينما لا زال رواد الطريق ما بين صاعد ونازل .
..وعلي بعد أمتار من السيارةوقبل أن يعبر دهسته سيــــارة....يــــــاه ..إنها نفس السيارة التي كانت تقله
-وجدتها ..وجدتها :إنها صرخة قطعت الصمت الذي كان يحيط بالمخرج الشاب بينما كان يعد سيناريو لفيلم الصيف القادم .

أبو خلاد
هاشم فتحي احمد/
heshamfatey@yah

قصيدة (عمي ايوب انتحر)

عمي أيوب انتحر
النار بتاكل في الحطب
والوجبه طابتْ
كل اللي جاعوا
بيسالوا الطباخ لامته ننتظر
دا بطونا دابتْ
يرفع بايده المعلقه
يغرف عرقنا
ويهز ايد الهون
ويطحن حلمنا
ويقول خلاص : هانتْ
يصرخ ضنايا
أسكته بحتة جزر
وامسح بأيدي دمعته
يا عم يا طباخ
قلبي انفطر
يا عم يا طباخ حرام
خلص الجزر
ابني الوحيد في البرد نام
من غير غير غطا
من غير عشا
دهره انكسر

انت فاكر عمي أيوب
اللي بات من غير عشا
قالوا انتحر
يا ما كان بيوعظنا
كتير تحت الشجر
ماسك في أيده سبحته
يا سلام على لون شملته
يا ما كان بيغسلها بمطر
انا لسه فاكر لما قال للناس
كفايه عمركم ده مش هدر
لامته يا عباس تنام
وتقوم تقول حكمه وقدر
تتغطى مرة بشملتك
وتنام مريض باقي الشهر
يا عم يا طباخ
النار بتاكل بعضها
خلص الحطبْ
لو كنت خايف ع الضنا
ارميها بالكرسي الخشبْ
لو كنت خايف تنكسر
قوللي السببْ
من غير سبب
بصيت لقيت الناس
بترسم بالرماد خيمة عربْ
تفطر بلقمة من الشقى
تتغدى
تتعشى بتعبْ
علشان يعيشوا بارضنا
لازم يبيعوا
الهدمه والشمله ف مزادْ
مين يشتري ......
هدمه ومصبوغة بسوادْ
مين يشتري شمله
ومقوله بحدادْ
مين يشتري خيمة عرب
خضره ومرسومه برمادْ
فاضل مع المسكين
طاقيه بتستره
وكمان رغيف
تمن العقالْ
وحلف عليه جسمه النحيف
لازم يجاوب عن سؤالْ
مين للعيال؟
يصرخ يقول انا مش ضعيف
يا ناس يا أهلي في المزاد
ردوا عليا هدمتي
هاتوا العقال
مش عار علينا ينتحر أيوب
ويتعذب بلال
......
فاكرين ضنايا
لما غسلته ...
وكفنته ....وداريته بحجر
شفته ف منام
ويقولي فين يا والدي
راح برج الحمامْ
فين عمي صابر
وابن عمي الواد حسامْ
دا ولاد بلدنا ف غربتي
من تربتي
سرقوا الحجر
وعليا وعليك السلام
...
يا ولاد بلدنا
عمي ايوب اللي مات
قبره اتنبش
يا ولاد حارتنا
قالوا هنبني في المكان
فرن وطاحونه
علشان نوفر للفقير
لقمة هَنا ....
عيشة هَنا....
عمره اللي ضاع ..
ما فضلش فيه غير كام سنه
يا بيه حرام تزرع مكان الورد حنضل
ما تقولش إن الحي أبدى
ما زمان قتلتوا عمي أيوب
وكلتوه النهاردا
الدود ف تربة عمي أيوب انتحر
وصرخ (ما فيش فايده)

ابو خلاد هشام فتحي
heshamfatey@yahoo.com

قصة (الوداع الاخير)

( الوداع الأخير )
بعد تناول العشاء في غرفة بالمدينة الجامعية وفي لحظة ود خرج إسماعيل مع أيمن إلى ضفة من ضفاف الإبراهيمية ودار الحديث الجميل تارة في الدين وتارة في شتى أمور الحياة كان يطمح أن يسود الخير هذه الدنيا نظرته إلى الأفق البعيد ربما أحاطت بكل أحلام الفتى كأنه يقرأ فنجان الحياة يمشي قليلا ثم يعبث بشجرة (الصفصاف) ورقة بيده وأخرى تناثرت حوله نظرة هنا وأخرى هناك لم يفت أيمن أن يقاطع صمته أو يسارع مدى بصره لأنه يعلم عن إسماعيل ما تقر به عينه وفي لحظة استدار الفتى إسماعيل كلمات تلعثمت بلسانه وطموحات علقت بذهنه وهواجس أحاطت بخاطره كان يراعي حداثة عهد التزام أيمن بطريق الله فهو حائر بين أفكار تتدافع داخله وحرصه الجميل على صديقه أيمن
صفارة قطار الصعيد وجلبة أصوات السيارات تعبر الطريق وإشارة خضراء تؤذن بالعبور للمارة وكنت أنا وهو في عجلة لكي نلحق بالإشارة الخضراء هو لم يكد يراها إلا وبعد أن عبر قال لأيمن ان الطريق إلى الله أشبه بهذا الطريق تارة تمضي إذا كانت إشارة الطرق خضراء وتقف طواعية لله إذا تراءت لك الإشارة الحمراء
لقد كان امتحان مادة البلاغة هذا العام غامض لكنه جميل أن يجد الإنسان صعوبة ويقطعها في تحد جميل (مشرف الدور بالمدينة الجامعية يعلن عن انتهاء مدة السكن هذا العام فعلى جميع الطلاب تسليم الأمانات عند الموظف المختص ) يمسك إسماعيل بأجندة أيمن يسطر له فيها ذكرى وأيمن مشغول في اخذ عناوين الزملاء ورفقاء الطريق
ودموع هاني طالب الهندسة رقراقة في عينه وهو يودع أصحابه . وأخر يعلن عن قرب وصول قطار الثالثة المتجه إلي القاهرة وأيمن يترقب الأجواء خلسة وعلى جدار الغرفة يكتب (وعسى قريبا ان يكون لقاؤنا 1994)
مرت الأيام وانقلب الحال وتباعدت المسافات مسافات الغياب وتناثر العقد الفريد على شفا قارعة الأيام ومرت الأيام ولم يجمع بين الخليلين بريد وترقب من أيمن لتلك الأحداث المتصارعة يعلم ان إسماعيل على القائمة المطلوبة لذا كان يقرأ الصحف لعله يجد خبرا عنه
وبينما أيمن عائد إلى بيته مساء ليلة تبادره أمه أن شخصا اسمه إسماعيل سال عنك وهو ينتظرك في مسجد القرية هرع أيمن يسابق الخطى إلى المسجد وخلف سارية إذا بإسماعيل والمصحف بين يديه تعانقا تتدفق الدمع مدرارا وسؤال نوبات الشجى هل سوف يرجع حلمنا وتعود أبراج الحمام تطال ذاكرة الصحاب . اسماعييييييييييييييييييييل وصرخة فرت تمور بأجواء المسجد
ليلة جميلة تلك التي مرت عليهما وليست صدفة أن تنقطع الكهرباء بالقرية فيسود الظلام إلا شمعة في زاوية غرفة ببيت أيمن تسامرا عليها وما أحلى السهر ذكريات الأشهر الخاليات ونظرة للمجهول المرتقب وأسئلة تزاحمت في خلد أيمن نظرات الفتي لم تفارق جبين إسماعيل يبدو انه لم ينم منذ أيام لكنه تجاهل سلطان النوم مقابل تلك الساعات الجميلة التي جمعته برفيق الدرب لم يكن حظهما من الثلث الأخير إلا ركعتين ودمعتين في ثنايا عيونهما يخفيهما الظلام ويكشف سترها ما تبقى من نور الشمعة الثكلى هي الأخرى تشهد وتسمع وتودع نفسها قبل أن تودع رفيقين
وفي الصباح انتهى الوقت المحدد للزيارة وسيبدأ بينهما فراق طويل لم يصدق أيمن أن الليلة مرت وان الشمعة طفئت وان الصبح اقبل والليل قد أدبر وحلت لسعات الغياب
ها هو إسماعيل يخرج من تحت جوربه لفافة صغيرة يطلب من أيمن أن لا يقرأها إلا بعد أن يغادر القرية وتعانقا سويا عناقا بائنا على ما يبدو هذه المرة
رجع أيمن مسرعا إلى اللفافة فإذا هي ورقة بها رسالة مودع ورجاءات راحل
( أخي أيمن لعلك تذكر لقائنا الأول في تظاهرة بالجامعة ما كنا ساعتها نتمتم بالفراق وولادة الإخاء لم تزل في أيامها الأولى لكننا ألان نمضي طوعا أو كرها إلي المجهول والمدى البعيد الرحب والخلد الطيبة وأهلها الصالحين بإذن الله ليست القضية من يرحل أولا لكن الأهم أن نلتقي هناك ثانية والله قادر على أن يجمع بيننا يوم القيامة لكني أقولها لك أخيرا فأحفظ عني اعلم انه كما انك لن تشم رائحة الطعام حتى تلسع بالنار فإنها الجنة لن تشم رائحتها حتى تتعب .... والي لقاء الخلد يا ..........)
لم تمض أيام وبعدها رحل إسماعيل عن دنيا الناس وهو يمثل فانتازيا من نوع خاص وتاركا خلفه لفافة عمر قصير ومطوية ذكريات في كتاب الحياة القديم مودعا كل اوارق شجر الصفصاف ومسارات الطرق كلها خلفه بلا إشارات للمارة وقيد أنملة من رحيق الإخاء مختوم بمسك الصدق يمخر إلي الركن البعيد .... ولوحة خالية حتى من صفارات إنذار القطار صامتة صمت العيون أمام صخب الأسى وماثل فيها من كل ألوان الشجى تصل إليه الحقيقة بشق الأنفس مشطورة على شط اليم تنتظر تابوت الوليد يعبر إلى حنان آسيا وحنين الماشطة وانتظار مرضعة الأمان في أقصى الأرض وفي خير الأرض ويوم العرض
ولتمض الدنيا غير مأسوف عليها
-بابا......بابا عايز لعبة طيارة
- لما نخرج يا خلاد
- أنت حبيبي يا بابا
وفي نفس الحجرة التي التقى فيها إسماعيل احتضن ولده وبقايا الشمعة الثكلى رماد بطول الجدران و ركعتين السحر الموعد
و(عسى قريبا أن يكون لقاؤنا 2008)
تمت
ابو خلاد هشام فتحي
heshamfatey@yahoo.com